الطريقة : استقصائية
الدرس : مدخل إلى الفلسفة
السؤال الأول: "الفلسفة ليست معرفة وإنما هي تفكير
حول المعرفة" .
اشرح هذا القول وناقشه ؟
ملاحظة : في موضوع عام هكذا يجب نقرأ بإمعان نص الموضوع ونحدد معنى كل كلمة تحديدا دقيقا ’ وبعد ذلك نشرع في وضع تصميم للموضوع ونحدد معنى كل كلمة تحديدا دقيقا ، وبعد ذلك نشرع في وضع تصميم للموضوع ثم ننتقل إلى تحليل الموضوع . وإذا لم نحدد معنى كل كلمة في نص الموضوع ربما جرنا ذلك إلى الوقوع في خطأ في فهم الموضوع وبالتالي فإننا سنخرج عن الموضوع . والكلمة التي يجب تحديد معناها في الموضوع هي كلمة ّ<< معرفة >> . ويقصد هنا بالمعرفة المعرفة اليقينية وهي المعرفة العلمية . ويمكن أن نستبدل كلمة معرفة بكلمة علم فيصبح الموضوع على الشكل الآتي :<< الفلسفة ليست علما و إنما هي تفكير حول العلم >> , فالمقصود هنا بالتفكير التأمل . بعد أن حددنا معنى كلمات الموضوع المطروح أصبح الموضوع واضحا إذ علينا أن نعالج قضية علاقة العلم بالفلسفة .
تحليل الموضوع :
كانت الفلسفة في القديم تضم جميع
العلوم , وكان على الفيلسوف أن يلم بجميع
علوم عصره , وهكذا رأينا أن
( أفلاطون )
مثلا اهتم بقضايا الميتافيزيقيا في
نفس الوقت الذي اهتم فيه بالرياضيات
والفلك والاجتماع والسياسة و
الأخلاق ... الخ . وكذلك الأمر بالنسبة لغيره من الفلاسفة
وحتى عهد قريب كان ينظر إلى الفلسفة على أنها تشمل جميع العلوم الأخرى , فـ ( ديكارت ) مثلا شبه الفلسفة بالشجرة جذورها الميتافيزيقيا , وجذعها الفيزياء وغصونها الميكانيكا والطب و الأخلاق .
إلا أن عملية انفصال العلوم على الفلسفة تمت بصورة تدريجية إلى أن
استقلت هذه العلوم بعد أن تحدد
موضوعها ومنهجها . ولم تحدث عملية الانفصال في فترة واحدة من تاريخ
الفكر البشري , بحيث أن الفكر كان يشهد
من حين لآخر انفصال علم من العلوم
عن الفلسفة , حتى وصلنا إلى الوضعية التي نحن عليها الآن. فابتداء من ( أوقليدوس )
و ( أرخميدس ) اعتبرت الرياضيات
منفصلة عن الفلسفة ، وكذلك الفيزياء
عرفت هذا الاستقلال في القرن السابع عشر
على يد ( غاليلي ) و( نيوتن ) , والكيمياء في القرن الثامن عشر على يد
( لافوا زيه ) . والبيولوجيا على يد ( لامارك ) و( كلودبرنار ) ، ومنذ
منتصف القرن الماضي بدأت عملية استقلال
السوسيولوجيا أو علم الاجتماع على يد (
أوغست كونت ) و ( سان سيمون ) . وتلتها عملية
استقلال السيكولوجيا
أو علم النفس . وتعتبر السوسيولوجيا والسيكولوجيا العلمان اللذان استقلا حديثا عن الفلسفة بعد أن تحدد موضوعهما ومنهجهما , وبعد أن أصبح بالإمكان
إجراء التجربة في هذين العلمين .
ولكن إذا استقلت جميع
العلوم أي المعارف عن الفلسفة فهل هذا يعني أنه لم يعد للفلسفة موضوع ؟ إن الفلسفة لم يعد ينظر إليها في العصر الحديث على أنها حصيلة المعارف السائدة في عصر من العصور ، وإنما أصبحت طريقة في التفكير وفي تناول الموضوعات . لذلك يمكن للفلسفة أن تستخدم حقائق العلم لتطرح سؤالها حول قيمة
هذه الحقائق . ولو كانت الفلسفة حقائق ثابتة
يمكن أن نتعلمها لتحولت إلى علم ،
لذا قيل بأنه لا توجد فلسفة يمكن أن نتعلمها
وكل ما يمكن أن نتعلمه هو كيف
نتفلسف .
ونحن عندما نتفلسف لا نضيف معرفة جديدة إلى
معارفنا , وإنما نقف من معارفنا
موقفا نقديا فنتساءل عن حقيقة ما نعرف وقيمته وحدوده . وقديما كان ( سقراط ) يدرك أن الفلسفة لا تضيف إلى معلوماتنا شيئا جديدا وإنما تزيد
عمقا ما لدينا من معلومات , لذا استخدم سقراط طريقته المشهورة في الجدل والتي أطلق عليها اسم << التوليد
>> أي توليد الأفكار من الذاكرة
. ففي محاورة << مينون >>لـ ( أفلاطون ) يسأل سقراط
( مينون ) السؤال ويقول :
<< ما هو تعريف الفضيلة
>> ؟ ويستسهل ( مينون) السؤال ويقول : << إن الفضيلة هي أن يستطيع الإنسان أن يأمر أو
يوجه الآخرين >> . ويعترض
( سقراط ) على هذا الجواب
قائلا بأن الطفل يمكن أن يكون فاضلا
وكذلك العبد لكنهما لا يأمران الآخرين . ويجيب
( مينون ) ، ثم يعترض عليه
( سقراط ) ... وهكذا إلى أن يصل (
مينون ) بنفسه إلى التعريف الصحيح للفضيلة
.
وهكذا فان (سقراط ) ولد تعريف الفضيلة من إجابات ( مينون) . إذن إن مادة التفكير في حوار ( سقراط )
و ( مينون ) هي المعرفة التي يتوفر
عليها ( مينون ) نفسه . فـ ( سقراط) يتفلسف ولكن موضوع فلسفته في الحوار المذكور هو معرفة ( مينون ) السابقة . وهذا دليل على أن الفلسفة ليست معرفة و إنما هي تفكير حول المعرفة .
وإذا ما استعرضنا الفلسفات الحديثة رأينا أن هذه الفلسفات قد تخلت عن تقديم << منظومات
>> فلسفية متكاملة كما كانت تفعل في الماضي لترضى بأن تكون تفكيرا حول
مختلف المعارف الإنسانية . لذا يقول
( برونشفيك ) وهو من الفلاسفة
المحدثين بأن الفلسفة ليست محاولة للزيادة من << كم >> المعرفة الإنسانية
وإنما هي تفكير <<كيف >> هذه المعرفة , ويقصد ( بر ونشفيك
) من قوله هذا بأن الفلسفة ليست مطالبة بأن تزيد من معارفنا كما تفعل العلوم الأخرى وإنما هي مطالبة بأن تتساءل عن قيمة معارفنا .
وهذا التساؤل قد يؤدي إلى إعادة النظر في معارفنا وإلى حذف بعضها . وقد أخذ بهذا الموقف الفيلسوف الألماني ( كانط ) الذي يعتبر موقفه نقطة تحول في الفلسفة الحديثة . يرى ( كانط ) بأن علينا قبل كل شيء أن نحدد مدى طاقة تفكيرنا
ونتساءل فيما إذا كان بإمكان العقل البشري أن يدرك جميع الموضوعات وما هي حدود هذا العقل . وينتهي ( كانط ) إلى أن العقل لا يدرك إلا ما هو محدد في الزمان والمكان وذلك بعد قسم الموضوعات إلى قسمين ::
<< الظواهر >> , وهي ما يخضع للزمان والمكان ، و << النومين
>> أو الأشياء في ذاتها , وهي ما لا
يخضع للزمان والمكان أي موضوعات الميتافيزيقيا . ويقول أن العقل البشري ركب بطريقة لا يدرك معها إلا ما هو خاضع للزمان والمكان أي الظواهر ، أما إذا حاول العقل أن
يدرك موضوعات << النومين
>> أو الحقائق المطلقة فإنه سيقع في
<< المعارضات >> أي يبرهن
برهنة متساوية في اليقين على قضايا
متناقصة في نفس الوقت .
وقد يعترض البعض فيقول : إذا كانت الفلسفة هي مجرد تفكير حول المعرفة وليست معرفة حقيقة فهذا يعني أنها ستبقى دائما نسبية لأنهه ستظل دائما مرتبطة بالمعرفة التي تتغير باستمرار . إن هذا
الاعتراض لا يضر الفلسفة في شيء , بل
يمكن اعتباره دليلا على حيويتها ، إذ كلما
تجددت المعارف كلما تجددت الفلسفة .
والعلم في تقدم ويفتح مجالات جديدة للفلسفة
ولا يقضي عليها , بل على العكس من
ذلك إنه يتيح للفلسفة أن تجدد في طرح
قضاياها ويسمح لها بطرح قضايا جديدة .
لهذا قيل << إن الفلسفة تبدأ حيث
ينتهي العلم >> , بمعنى أن العلم يقرر الحقائق الجزئية و تأتي
الفلسفة لتنطلق من هذه الحقائق وتجعلها موضع تساؤل , أي أن الفلسفة لا تضيف حقائق جديدة أو معارف جديدة كالعلم ، وإنما تفكر في هذه
الحقائق وتحدد مدى قيمتها . وهكذا يبدو
واضحا أن الفلسفة ليست علما أو معرفة
وإنما هي تفكير حول العلم أو حول المعرفة
.